لو نظرت إلى أي مبني في المراحل الأولى من الإنشاء ستجد أن له أساسات صلبة يقوم عليها كامل المبنى و كذلك الحال في البحث حيث تعتبر عملية اختيار موضوع البحث أقوى الأساسات التي ينبني عليها البحث.
فكل المعلومات الموجودة في البحث بلا استثناء تكون مرتبطة بموضوع البحث، ولهذا قوة وجودة البحث تتضح منذ اللحظة الأولى في اختيار الموضوع واعتماده.
ما هو موضوع البحث؟
ويسمى أيضاً بمشكلة البحث أو مشكلة الدراسة، وهو عبارة عن المحدد الرئيسي الذي اختاره الباحث ليكون المادة الأساسية التي تدور حولها المعلومات.
وفي تعريف أكثر عمقاً فهو الظاهرة التي أثرت في شعور الباحث فكرياً ونفسياً فقرر أن يأخذها قيد الدراسة ليصل إلى حلولها ونتائجها من خلال النظم الهيكلي والعلمي للبحث.
و كذلك لابد من تناول الموضوع مع جوانبه الرئيسية، فلا يكفي اختيار موضوع البحث فقط بل لابد من تعيين جوانبه بشكل دقيق. على سبيل المثال إذا قلنا أن موضوع البحث هو (الغزو الثقافي). فسيظل الموضوع مجهولاً بكيفيته. إذ لابد من تعيين الجوانب مثل (أثر الغزو الثقافي على الطلاب المغتربين).
من خلال عدة طرق يمكنك اختيار موضوع البحث، وهذه الطرق منها ما يكون شخصي من خلال ما تمتلكه من مواهب ومنها ما يتطلب تنفيذ بعض الاجراءات للوصول إليها، وهذه الطرق هي:
أولاً: الإحساس بالمشكلة: وهي الطريقة التي نشجعها. حيث أن شعور الباحث بالمشكلة يعني توسع المدركات لديه حول هذه المشكلة. وشعوره بضرورة دراستها يجعله يصب مجهوداته الحثيثة للوصول إلى أفضل الحلول والنتائج.
ثانياً: استكمال الدراسات السابقة: (البدء من عند توقف الآخرين) هذه العبارة توضح المقصود باستكمال الدراسات السابقة، بحيث يأخذ الباحث موضوعه من الدراسات السابقة ويقوم بالإضافة عليها للمعلومات أو الجوانب التي لم تردها تلك الدراسات السابقة.
ثالثاً: المصادر الرئيسية: مثل سجلات الحكومة أو تقارير الوزارات والمؤسسات وغيرها، ولكن هذا يتطلب الوصول إلى تلك المصادر وهذا أمر ليس بالسهل في كثير من البلدان.
رابعاً: التاريخ: يزخر التاريخ بالمواضيع التي يمكن تناولها وتوظيفها في دراسات جديدة للوصول إلى حلول منطقية للمشكلات المعاصرة، والمقصود هنا بالتاريخ ليس فقط الأحداث التاريخية مثل الحروب والصراعات، بل يقصد بالتاريخ كل تسلسل زمني للمعلومات، على سبيل المثال دراسة فايروس (الانفلونزا الاسبانية) الذي اجتاح العالم في العصور الوسطى، ومقارنته بفايروس (كورونا) الذي ظهر في أواخر عام 2019م.
خامساً: المشاهدات: وأنت تسير في الشارع رأيت أو سمعت شيء أثار الفضول لديك وشعرت بأنه مشكلة تتطلب الدراسة، هذا هو المقصود بالمشاهدات، على سبيل المثال كنت تسير في السوق فلاحظ اقبال كبير على المنتجات المستوردة أكثر من المنتجات المحلية، فخطرت ببالك فكرة أخذ موضوع (المنافسة بين المنتجات المستورد والمنتجات المحلية) ويمكن أن تأخذ جوانب عديدة لهذا الموضوع مثل أساسيات المنافسة بين هذين المنتجات وكيف يمكن حماية المنتج المحلي.
سادساً: الحاجة العلمية: من الجميل أن ينظر الباحث في مجال المعرفة. ويرى الموضوعات التي لم يكتب عنها من قبل و التي بحاجة لمزيد من الدراسات ويختارها كموضوع لبحثه.
كما قلنا في فقرة التعريف بداية هذا المقال أن الموضوع يظل قاصر ما لم تحدد جوانبه. ولهذا لابد من تحديد الجوانب المرتبطة بالموضوع ليقوم الباحث بحصر مجهوداته وأفكاره ويحدد بالضبط ما يريد الوصول إليه. ويتم تحديد هذه الجوانب كما يلي:
وفي ملاحظة أخيرة حول هذا الموضوع ننوه أن هذه الجوانب تمثل بشكل رئيسي محددات رئيسية داخل البحث أهمها الفرضيات والتساؤلات و كذلك يتم من خلالها تحديد أنواع المتغيرات الداخلة في البحث.
أول عنصر رئيسي من عناصر خطة البحث هو الموضوع. فبعد اختيار موضوع البحث والبدء الفعلي في كتابة الخطة. يكون على الباحث إيضاح المشكلة للقارئ وشرحها بشكل مبسط.
فيكتب الموضوع في الخطة بذكره أولاً كما هو في الواقع، ومن ثم كتابة فقرة بسيطة لا تتجاوز ال150 كلمة تشرح هذا الموضوع، وأهم ما يجب كتابته في هذا الشرح هو:
ومن ثم تكون كامل عناصر خطة البحث الأخرى متحورة حول الموضوع، كالفرضيات والدراسات السابقة والمصطلحات والمناهج وغيره.
على سبيل المثال (التحصيل الدراسي لطلاب الابتدائية في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني)، فتكتب هذه المشكلة كما هي بين القوسين بالضبط، ومن ثم تكتب فقرة يمكن أن يكون فيها ما يلي:
يتأثر طلاب المرحلة الابتدائية بشكل كبير بآثار عدم الاستقرار الأمني سواء من الحروب أو المشاكل الداخلية وغيره، وهذا يؤثر على نفسية الطفل ويجعله خائفاً مما يؤدي لانخفاض في تحصيله الدراسي، ولهذا رأينا أن نأخذ هذه المشكلة وندرسها في ظل محددات بحثية نتوصل فيها إلى كيفية تقليل هذه الآثار ودعم الأطفال نفسياً وفكرياً للحفاظ على التحصيل الدراسي في ظل تلك الظروف.
كافة مضمون الإطار النظري بما فيه من فصول تكون متحدثة عن الموضوع الذي تم اختياره وجوانبه التي تم تحديدها، وأبرز العمليات التي يظهر فيها تناول الإطار النظري للموضوع البحث هي:
الوصول إلى موضوع البحث شيء عادي، ولكن الاحترافية في اختيار موضوع البحث هو الأمر الذي يتطلب المهارة والذكاء والتفكير العميق، وفي النقاط التالية نورد محددات تساعدك على الوصول للموضوع باحترافية:
أولاً: فكر خارج الصندوق :
فاجعل لنفسك نظرة ابداعية وأنت تشاهد الظواهر حولك، على سبيل المثال ينظر الشخص العادي إلى (تأخر بعض الطلاب عن جرس المدرسة) كأنه حدث طبيعي، ولكن كباحث مبدع انظر لعدد هؤلاء الطلبة وحاول معرفة الظروف التي تحيط بهم، ويمكن أن تصل إلى (وجود مشكلات اجتماعية أدت لتأخر هؤلاء الطلاب عن جرس المدرسة) فتستخلص موضوع دراسة كامل تحت عنوان (المشكلات الاجتماعية وأثرها في الانضباط المدرسي)، فأنظر كيف استطعت من مشهد عادي أن تخرج بعنوان احترافي.
ثانياً: اقرأ أكثر :
كلما قرأت أكثر كلما تعرفت على المجال المعرفي أكثر. و بالتالي تميز المواضيع الهامة من غيرها. وتعرف أين انتهى الآخرون لتبدأ من عند ما انتهوا وتضيف الجديد والجديد على المجال المعرفي.
ثالثاً: عيش التجربة :
ماذا لو أن باحث نزل إلى مجتمع محدد وعاش تجربة لمدة شهر ليتعرف عن قرب على مشكلات خاصة بهذا المجتمع، ليخرج لنا كغيمة محملة بالغيث ويضعنا أمام موضوع دراسة شيق،، على سبيل المثال قرأت أن أحد الباحثين في المجال الطبي سافر إلى افريقيا وعاش مدة سنتين متواصلتين ليخرج بدراسة كاملة أصبحت من أقوى المراجع حول مرض (ايبولا).
رابعاً: نمي الاحساس :
شعورك بالمشكلة يعني أنك لامستها بالفعل وشعرت أنها مهمة لتكون موضوع دراسة. وكلما كان الاحساس عميق أكثر كلما خرجت الدراسة باحترافية أكبر.
خامساً: كل شيء مهم :
ذات يوم قرأت مقال علمي بعنوان (لماذا يكثر النمل في منزلك ؟). وتحدث كاتب المقال عن علاقة كثرة النمل بالهندسة المعمارية وكيف أن سوء الهندسة للمنزل هو سبب رئيسي من أسباب كثرة النمل ف (كل شيء مهم) نظرية فكرية عميقة توحي بأن كل الأمور من حولك لا يمكن الاستخفاف بها لتكون محط دراسة مميزة. فلا تستخف في أي ظاهرة تراها حتى ولو كانت بسيطة.
يشترط في اختيار موضوع البحث أن يلتزم بالعديد من المعايير التي تحكم الحد الأدنى من جودته. بمعنى أن هذه المعايير عدم الالتزام بأي منها يجعل الموضوع تحت الحد الأدنى من الجودة. مما يعني رفضه من قبل الجامعات والمؤسسات. وأهم هذه الضوابط ما يلي:
أضف بريدك الالكترونى ليصلك كل جديد.